التجارة الإلكترونية تعيد تشكيل قواعد السوق وتفرض مراجعة شاملة لمنظومة المنافسة

التجارة الإلكترونية تعيد تشكيل قواعد السوق وتفرض مراجعة شاملة لمنظومة المنافسة

لم تعد الرقمنة مجرد خيار رفاهي، بل أصبحت واقعا يفرض نفسه بقوة ويعيد رسم ملامح الأسواق المحلية والدولية على حد سواء. فمع بروز فاعلين جدد في الاقتصاد الرقمي يمتلكون طبيعة هجينة تجمع بين التكنولوجيا والابتكار التجاري، أصبحت المقاولات التقليدية تواجه منافسة غير مسبوقة من منصات رقمية تستحوذ على حصص متزايدة من السوق والموارد، ما يثير مخاوف بشأن مدى احترام مبادئ المنافسة الشريفة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنصات أجنبية تنشط في السوق المغربية.

جاءت هذه الأفكار في افتتاح الندوة الدولية حول “المنصات الرقمية: تطور المهن والتحديات التنافسية”، المنعقدة اليوم الأربعاء 5 نونبر 2025 بمدينة مراكش، والتي ناقش خلالها خبراء ومسؤولون محليون ودوليون انعكاسات الثورة الرقمية على الاقتصاد الوطني.

وأكد المتحدثون أن المنصات الرقمية باتت تطرح تحديات كبيرة أمام الاقتصاد، خصوصا مع دخول فاعلين دوليين يشتغلون وفق خوارزميات معقدة تتحكم في مسارات التجارة الإلكترونية وتجذب الزبائن بطرق غير مرئية، في ظل منظومة قانونية ما تزال محدودة مقارنة بسرعة التطور التكنولوجي.

وشددت المداخلات على أن الآليات التقليدية لضبط السوق لم تعد كافية لمواكبة التحولات الرقمية، داعية إلى تحديث القوانين وإرساء أدوات تدخل أكثر قدرة على الاستباق، بما يضمن حماية المنافسة دون المساس بحرية الابتكار.

وأشارت النقاشات إلى تجارب دولية متعددة في هذا المجال؛ فبينما اتجهت بعض الدول إلى فرض تنظيم صارم للمنصات الرقمية، اختارت الولايات المتحدة نهجا أكثر مرونة يقوم على ترك حرية السوق دون تدخل واسع. وهو ما يجعل من الضروري بالنسبة إلى المغرب اعتماد مقاربة متوازنة تراعي الخصوصية الوطنية وتحمي المقاولات المحلية دون كبح روح الابتكار.

كما تم التأكيد على أهمية توقيت التدخل في السوق الرقمية لتجنب أي قرارات قد تُعرقل الاستثمار أو التطوير، مع ضرورة اليقظة المؤسساتية لمنع استغلال الخوارزميات للتلاعب بالأسعار أو احتكار الخدمات. فحرية المبادرة، بحسب الخبراء، تبقى ركيزة أساسية لأي اقتصاد تنافسي، لكنها يجب أن تكون مقرونة بضمانات تمنع تحول الفاعلين الرقميين إلى قوى مهيمنة تقوض المنافسة.

واعتبر المشاركون أن التحدي الرئيسي يتمثل اليوم في إيجاد توازن دقيق بين تشجيع الابتكار وحماية السوق، في ظل ما وصفوه بـ“الخوارزميات بلا ضمير” التي يمكن أن تتحكم في سلوك المستهلكين وتوجه الاقتصاد بطرق غير شفافة.

الندوة شهدت مشاركة ممثلين عن مؤسسات وطنية ودولية وهيئات حكامة ومنظمات اجتماعية واقتصادية، إلى جانب نخبة من الخبراء في مجال الرقمنة والمنافسة. وتركز النقاش على تبادل التجارب والممارسات الفضلى لتقوية الإطار القانوني والتنظيمي للمنافسة الرقمية في إفريقيا والعالم العربي، بما ينسجم مع متطلبات الاقتصاد الحديث ومصالح المواطنين والمقاولات.