دخلت التعديلات الجديدة على قانون المسطرة الجنائية حيز التطبيق، حاملة تغييرات مهمة تتعلق بعقوبة الإعدام، من خلال اشتراط إجماع القضاة وتعزيز إجراءات التدقيق لضمان احترام الحق في الحياة.
تركز المستجدات على تعديل المادة 430، حيث لم يعد الحكم بالإعدام ممكنا إلا بإجماع جميع القضاة داخل هيئة الحكم، مع الإشارة صراحة إلى هذا الإجماع في منطوق الحكم، بعدما كان القرار سابقا يُتخذ بالأغلبية فقط. ويأتي هذا التغيير انسجاما مع الفصل 20 من الدستور المغربي الذي يكرس الحق في الحياة، ومع التزامات المغرب الدولية التي تقيد تطبيق هذه العقوبة بأشد الجرائم خطورة.
وتوضّح المديرية العامة للشؤون القضائية أن هذا التحول التشريعي يهدف إلى إحاطة عقوبة الإعدام بأقصى الضمانات، لما تحمله من خطورة ولأنها عقوبة لا يمكن الرجوع فيها في حال وقوع الأخطاء القضائية. كما يعكس هذا التوجه رغبة المغرب في مواصلة ملاءمة تشريعاته مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها.
ولم تقتصر التعديلات على فرض الإجماع، بل تمت إضافة إجراءات جديدة ترفع مستوى التدقيق، منها إلزام رئيس الجلسة بتحرير محضر خاص يثبت إجماع القضاة وتوقيعاتهم، ليضم إلى وثائق الملف. كما مُنحت الغرفة الجنائية صلاحية النظر في إيقاف تنفيذ العقوبة أو استبدالها بعقوبة سالبة للحرية، حتى في حال صدور الحكم النهائي.
وتشير هذه الإجراءات إلى توجه واضح نحو تقليص اللجوء إلى عقوبة الإعدام، من خلال وضع ضوابط أكثر صرامة قبل إصدارها. كما تؤكد المديرية أن الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية، إضافة إلى توصيات اللجان الأممية، تدفع في اتجاه مراجعة هذه العقوبة وتعزيز النقاش حول إلغائها أو تقييدها إلى أقصى الحدود.
وترى الجهات المختصة أن هذا المسار ينسجم كذلك مع ما أكدته هيئة الإنصاف والمصالحة بشأن ضرورة مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، فضلا عن تأكيد الفقه الإسلامي على إحاطة هذه العقوبة بقيود صارمة وموانع كثيرة، استنادا إلى مبدأ “ادرؤوا الحدود بالشبهات”.
وتعكس هذه التعديلات توجها وطنيا نحو تعزيز حماية الحق في الحياة، وضمان أعلى مستويات العدالة في القضايا التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، عبر اعتماد تدابير دقيقة ومشددة قبل النطق بها.
