تعديلات جديدة في المسطرة الجنائية وتوجيهات صارمة لتحديث عمل النيابة العامة

تعديلات جديدة في المسطرة الجنائية وتوجيهات صارمة لتحديث عمل النيابة العامة
جهات

وجّه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة هشام البلاوي، منشورًا يدعو فيه المسؤولين القضائيين إلى استيعاب المستجدات الواسعة التي حملها القانون 03.23 المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية، مع التأكيد على ضرورة مواكبة تنزيلها وتوحيد الممارسة القضائية.

وأبرز المنشور أن تعديلات المسطرة الجنائية جاءت استجابة للدستور والالتزامات الدولية للمغرب، ولا سيما ما يخص حماية الحقوق والحريات، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتحديث السياسة الجنائية والرفع من نجاعتها. ودعت رئاسة النيابة العامة إلى تدارس التعديلات الجديدة ورفع تقارير حول كيفية تطبيقها والصعوبات المرتقبة، مع تعهدها بتقديم رسائل دورية لتأطير الممارسة القضائية.

التعديلات مست جوانب متعددة من عمل النيابة العامة، بدءًا بتلقي الشكايات والوشايات، مرورًا بمرحلة البحث والتحقيق والمحاكمة، وصولًا إلى تنفيذ العقوبات. ومن أبرز هذه المستجدات اعتماد المؤسسة السجنية التي يوجد بها المشتبه فيه كمعيار جديد للاختصاص المحلي، وتوسيع دائرة الأشخاص الخاضعين للاختصاص الاستثنائي، إضافة إلى إلزام النيابة والشرطة بإجراء تحريات أولية قبل فتح أي بحث بناءً على وشاية مجهولة المصدر.

كما ألزم القانون النيابة العامة بإخبار المشتكين والمحامين بمآل الشكايات داخل أجل 15 يومًا، وفتح باب التظلم من قرارات الحفظ أمام الوكلاء العامين للملك، مع ضرورة تعليل القرارات. وتم تعزيز صلاحيات النيابة في تدبير الأبحاث، بما فيها مراقبة الأشخاص، وإدارة برقيات البحث، وردّ الأشياء المحجوزة، وفرض قيود كمنع السفر أو سحب جواز السفر.

وتضمنت الإصلاحات إطارًا جديدًا للتفتيش الرقمي وحجز البيانات الإلكترونية، بإذن مكتوب من النيابة العامة، مع إمكان حذف المعطيات غير المشروعة. كما أصبح استنطاق المشتبه فيهم داخل مقرات الشرطة ممكنًا لتخفيف الضغط على النيابات العامة، شريطة تعلق الأمر بجنح دون أحداث أو جنايات.

وفي جانب الحراسة النظرية، ألزم القانون النيابة العامة بالتحقق من أسباب الوضع تحت الحراسة، مع تمكين المشتبه فيه من الاتصال بمحاميه ابتداء من الساعة الأولى، باستثناء حالات محدودة. كما تم تعزيز حق المحامي في حضور الاستماع في بعض الحالات، مع تنظيم إجراءات التحقق من الهوية وتقنيات البحث مثل الاختراق واعتراض الاتصالات وفق ضوابط دقيقة.

أما بدائل المتابعة، فقد توسّعت بشكل كبير، إذ أصبح الصلح وسيلة لإنهاء الدعوى العمومية دون اللجوء للمحكمة، مع تمكين النيابة العامة من اقتراح الغرامات التصالحية. وأضيفت آلية السند الإداري التصالحي في المخالفات وبعض الجنح، مما يسمح بإسقاط المتابعة تلقائيًا عند الأداء.

وشملت التعديلات كذلك تنظيم المراقبة القضائية في الجنايات، والتشديد على الطابع الاستثنائي للاعتقال الاحتياطي، إضافة إلى إلزام النيابة بإجراء الفحص الطبي عند الطلب. وتم توسيع حالات إشعار الوكيل القضائي للمملكة ليشمل الاعتداء على الممتلكات العمومية أو موظفي الدولة.

وفي ما يتعلق بالتحقيق الإعدادي، لم يعد إلزاميًا في الجنايات، ليصبح إجراءً اختياريًا، بينما تم اعتماد قواعد صارمة تخص الأحداث، منها منع تمديد الحراسة النظرية باستثناء حالات محددة، وعدم متابعة الأطفال دون 12 سنة، ورفع سن اعتبار الطفل في وضعية صعبة إلى 18 سنة.

كما مسّت الإصلاحات مساطر الطعن، التنفيذ الزجري، ورد الاعتبار، حيث تم تمكين النيابة العامة من البت في إدماج العقوبات، ومنع الإكراه البدني في الديون التي تقل عن 8000 درهم، وتبسيط مسطرة رد الاعتبار بإسناد الاختصاص لقاضي تطبيق العقوبات.

هذه التعديلات، وفق رئاسة النيابة العامة، تمثل مرحلة جديدة في تحديث المسطرة الجنائية، وتستدعي يقظة قضائية كبيرة لضمان حسن تنفيذها في مختلف محاكم المملكة.