تشهد أروقة مجلس الأمن الدولي حركية دبلوماسية مكثفة قبيل التصويت المرتقب نهاية أكتوبر الجاري على مشروع القرار المتعلق بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “المينورسو”، في وقت تعود فيه القضية الوطنية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وسط متابعة دقيقة لمواقف الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين تجاه هذا النزاع الإقليمي الذي أضحى أحد محددات الاستقرار في شمال إفريقيا.
وتشير خريطة المواقف داخل المجلس إلى أن أغلب أعضائه باتوا يتبنون مقاربة الحل السياسي الواقعي القائم على التوافق، في انسجام تام مع مبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية سنة 2007، باعتبارها الإطار العملي الوحيد لإنهاء النزاع بشكل نهائي. ويُستثنى من هذا التوجه النظام الجزائري، الذي يواصل تمسكه بأطروحة جبهة البوليساريو رغم تراجع صدى خطابه داخل المنتظم الدولي.
وتتقدم الولايات المتحدة وفرنسا صفّ الدول الداعمة لمغربية الصحراء داخل مجلس الأمن، حيث تؤكدان في مواقفهما الرسمية أن مبادرة الحكم الذاتي “الحل الواقعي الوحيد” القادر على إنهاء النزاع، بينما تميل روسيا إلى دعم المقترح المغربي بشروط تتعلق بضرورة موافقة الأطراف، في حين تلتزم الصين الحياد الإيجابي مع احترامها الثابت للوحدة الترابية للدول.
أما الأعضاء غير الدائمين، فتبدو مواقفهم أكثر وضوحا في دعم المغرب؛ إذ عبرت دول مثل سيراليون، الصومال، باكستان، وبنما عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، معتبرة إياها إطارا واقعيا وذا مصداقية، بينما شددت دول كالدنمارك وسلوفينيا واليونان وكوريا الجنوبية على أهمية التوافق ودعم جهود الأمم المتحدة وفق الرؤية المغربية.
في المقابل، تظل الجزائر الاستثناء الوحيد داخل المجلس، من خلال تمسكها بموقف متجاوز يتنافى مع الدينامية السياسية الجديدة التي يعرفها الملف، في وقت تتسع فيه رقعة الدول المؤيدة للمبادرة المغربية باعتبارها الحل الوحيد الواقعي والعادل.
إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أكد أن الموقف التفاوضي للمغرب بات اليوم أقوى من أي وقت مضى بفضل الإجماع الدولي المتنامي والدعم الأمريكي المتواصل، مشيرا إلى أن “الاهتمام الأمريكي بهذا الملف يفتح آفاقا جديدة نحو التسوية النهائية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية”.
وأوضح المتحدث أن الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، إلى جانب إسبانيا، يشكلون ما يُعرف بمجموعة أصدقاء الصحراء، حيث تتجه المشاورات الجارية إلى توافق واسع حول المقترح المغربي، خاصة أن الولايات المتحدة، صاحبة المسودة الحالية، وفرنسا وبريطانيا تصطف رسميا إلى جانب الموقف المغربي، في حين نجحت الدبلوماسية المغربية في تحييد الموقف الروسي عبر تعزيز التعاون الاقتصادي وتطوير شراكات استراتيجية متوازنة.
كما أبرز اسويح أن العلاقات المغربية الصينية باتت تتجاوز الجانب الاقتصادي لتشمل تنسيقا سياسيا قائما على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، في انسجام تام مع المبادئ التي يقوم عليها الموقف المغربي في هذا الملف.
أما أبا الشيخ باعلي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، فقد أكد أن المشهد داخل مجلس الأمن “يسير نحو توافق واسع حول مشروع القرار الأمريكي الداعم للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”، مشيرا إلى أن “موقف روسيا بدأ يعرف تحولا تدريجيا نحو قراءة أكثر واقعية، بعد تصريحات وزير خارجيتها سيرغي لافروف التي اعتبرت الحكم الذاتي أحد أشكال تقرير المصير المعترف بها أمميا”.
وأضاف المتحدث أن الجزائر، التي باتت تدرك حجم الإجماع الدولي حول المقترح المغربي، تحاول عبر وسائل إعلامها الترويج لموقفها الرافض، في محاولة يائسة لكسر عزلتها المتزايدة داخل مجلس الأمن.
ويرى المتتبعون أن ميزان المواقف داخل الهيئة الأممية بات يميل بشكل حاسم لصالح المغرب، وأن النقاشات الجارية تركز اليوم على سبل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي وفق مقاربة واقعية تضمن الاستقرار الإقليمي وتعزز موقع المملكة كشريك موثوق في حفظ السلم والأمن الدوليين.