في حدث يؤسس لمرحلة جديدة من الطموح الصناعي والدفاعي للمملكة، شهدت القاعدة الجوية العسكرية ببنسليمان، أول أمس الأربعاء، وضع حجر الأساس لمركز الصيانة الجديد "مينتنانس أيرو ماروك" (MAM).
ويأتي هذا المشروع الضخم كثمرة شراكة استراتيجية ثلاثية تجمع بين المغرب وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إنشاء قطب إقليمي متطور لصيانة وتحديث الطائرات العسكرية، وتعزيز السيادة التقنية للمملكة في هذا القطاع الحيوي.
وجرى الحفل بحضور شخصيات رفيعة المستوى، من بينها مسؤولون عن إدارة الدفاع الوطني والقوات الملكية الجوية، إلى جانب ممثلين عن شركتي "لوكهيد مارتن" الأمريكية و"سابينا إنجنيرينغ" البلجيكية، مما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا الورش الذي يتجاوز أبعاده المحلية نحو بُعد إقليمي ودولي.
ويهدف المشروع إلى إحداث مركز متخصص في الصيانة الثقيلة لطائرات النقل العسكري من طراز "C-130 هيركوليس" والمقاتلات من طراز "F-16"، وهما العمود الفقري لأسطول القوات الملكية الجوية.
ومن خلال إنشاء هذا المركز، يسعى المغرب إلى تلبية احتياجاته الدفاعية المحلية، وفي الوقت نفسه ترسيخ مكانته كمركز إقليمي موثوق لصيانة وإصلاح وتجديد الطائرات العسكرية، قادر على خدمة دول المنطقة المتوسطية والقارة الإفريقية.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية للمشروع في كونه خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقلالية الصناعية وتقليص التبعية التقنية، ما سينعكس إيجابا على الجاهزية العملياتية للقوات المسلحة وتكاليف التشغيل على المدى الطويل.
ويمتد المركز الجديد على مساحة تتجاوز 8 آلاف متر مربع، صُمم وفق أحدث المعايير الدولية في مجال الصيانة الجوية، ليكون قادرا على استيعاب العمليات التقنية الأكثر تعقيدا.
ويعد المشروع ثمرة تعاون يجمع بين شركة "سابينا إنجنيرينغ" البلجيكية، التي ستوفر الدعم الفني ونقل المعرفة التقنية للأطر المغربية، وشركة "مينتنانس أيرونوتيك آسيتس" المغربية (MAA)، التي تمثل تحالفا بين الدولة وصندوق الإيداع والتدبير عبر ذراعه الصناعي "ميدز"، لتتولى الإشراف على الجوانب التشغيلية للمشروع.
كما تشارك شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية، المصنّعة لطائرات F-16 وC-130، بتوفير التراخيص التقنية والدعم اللوجستي اللازمين لضمان مطابقة عمليات المركز للمعايير الدولية الخاصة بصيانة الطائرات العسكرية والمدنية المتطورة.
وأكد ستيفان بورتون، الرئيس التنفيذي لشركة "سابينا إنجنيرينغ"، أن المشروع يجسد شراكة قائمة على الثقة والطموح المشترك، مضيفا: "نحن لا نبني مجرد حظيرة صيانة، بل مركز تميز قادر على خدمة بلدان المنطقة المتوسطية وإفريقيا".
ويُتوقع أن يساهم المركز في خلق مئات فرص العمل عالية المهارة للمهندسين والتقنيين المغاربة، وتعزيز منظومة نقل المعرفة والخبرات التقنية، إلى جانب دعم سلسلة التوريد المحلية المرتبطة بالصناعات الدفاعية.
من جانبه، أوضح راي بيسيلي، نائب الرئيس للأعمال الدولية بشركة "لوكهيد مارتن"، أن هذا التعاون يمثل نموذجا للشراكة المثمرة، قائلا: "التزامنا تجاه المغرب يتجاوز تعزيز القدرات التقنية ليشمل خلق فرص عمل مؤهلة ودعم النمو الصناعي المستدام".
ويمثل مركز بن سليمان المرحلة الأولى من خطة استثمارية أوسع تشمل لاحقا صيانة المروحيات العسكرية وأنواع أخرى من الطائرات، في إطار رؤية المملكة لبناء منظومة صناعية متكاملة في مجال الطيران والدفاع.
ومن المنتظر أن يبدأ المركز الجديد عمله خلال النصف الثاني من عام 2026، ليشكل انطلاقة فعلية نحو تمكين المغرب من إدارة عمليات الصيانة المتقدمة محليا، وتعزيز مكانته كقوة صناعية دفاعية صاعدة على المستوى الإقليمي والدولي.