مبادرة “المثمر” تحوّل حقول الزيتون إلى نموذج للفلاحة العصرية المستدامة وترفع الإنتاجية بـ 20%

مبادرة “المثمر” تحوّل حقول الزيتون إلى نموذج للفلاحة العصرية المستدامة وترفع الإنتاجية بـ 20%
اقتصاد

على بعد نحو أربعين كيلومتراً من مدينة مراكش، وبالضبط في جماعة سيدي بدهاز بإقليم الحوز، تمتد مزرعة الزيتون كجوهرة خضراء تعكس ثمار العمل الميداني لمبادرة “المثمر” التي أطلقتها مجموعة OCP. وسط صفوف الأشجار التي تزين الحقول، يتنقل الفلاحون بخبرة وهدوء، يتفقدون الأوراق والثمار بينما يرافقهم التقنيون بتوجيهات دقيقة حول طرق العناية المثلى بالأشجار.

كانت البداية بتحليل التربة واختيار الأسمدة المناسبة بناءً على معايير علمية، لتتبعها مراحل التقليم والتسميد والجني تحت إشراف مباشر. الورشات التدريبية لم تكن مجرد دروس نظرية، بل تطبيق عملي جعل الفلاحين يعيشون التجربة خطوة بخطوة، ويتابعون نتائجها على أرض الواقع.

عبد المنعم، أحد الفلاحين المستفيدين من البرنامج، عبّر عن الفرق الذي أحدثته المبادرة في أسلوب عمله قائلاً: “كنا نزرع بطريقة تقليدية دون تخطيط واضح، أما الآن فكل خطوة مدروسة، ونتعامل مع الأرض بمعرفة علمية دقيقة رفعت جودة الإنتاج.”

ويضيف ياسين الشرقاوي، مسير الضيعة، أن المردودية ارتفعت من 12 إلى 15 طناً في القنطار الواحد بفضل تطبيق الممارسات الجديدة، ما انعكس على كمية الزيت وجودتها، مؤكداً أن “البرنامج غيّر طريقة تفكير الفلاحين وجعلهم أكثر التزاماً بالعمل العلمي المنظم.”

أما المنسق عمر الجنياني، فيشير إلى أن سر نجاح المبادرة يكمن في المتابعة المستمرة: “الفلاح يحتاج إلى أن يرى النتيجة بنفسه، لذلك نرافقه ميدانياً في كل مرحلة، حتى يلمس الفرق بين الطرق التقليدية والممارسات الحديثة.”

الحقول اليوم تعج بالحركة والنشاط، والفلاحون يجمعون الزيتون بفرح، يتبادلون الخبرات فيما بينهم، يناقشون تقنيات الري والتقليم ومكافحة الآفات بأسلوب علمي لم يكن مألوفاً لديهم من قبل. أصبحت هذه النقاشات مرجعاً للتعلم الجماعي والتطور المستمر، حيث انتقل الفلاح من مجرد منفذ إلى فاعل واعٍ بتأثير كل خطوة في العملية الإنتاجية.

من جانبه، أوضح المهندس الزراعي أيمن الزيواني، ممثل مبادرة “المثمر” بإقليم الحوز، أن الإنتاجية ارتفعت بنسبة 20% بالمنصات التطبيقية، بفضل اعتماد ممارسات فلاحية رشيدة تقوم على البحث العلمي، مشيراً إلى أن المبادرة تركز على نشر تقنيات صديقة للبيئة وترشيد استخدام المياه والأسمدة.

مبادرة “المثمر” التي أطلقتها مجموعة OCP عام 2018، تهدف إلى مرافقة الفلاحين بمختلف مناطق المملكة، من العرائش وسيدي قاسم إلى وزان وشفشاون وطنجة أصيلة، وتشمل محاصيل متنوعة كالتفاح والخضر إلى جانب الزيتون.

تجربة سيدي بدهاز تؤكد أن الفلاحة الحديثة لا تقوم فقط على العمل اليدوي، بل على المعرفة والبحث والمواكبة المستمرة، وأن الاستثمار في التكوين العلمي للفلاح هو السبيل الأمثل لتحقيق إنتاج مستدام يحافظ على البيئة ويضمن مردودية أفضل للأجيال القادمة.